فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

القلائد جمع قلادة وهي التي تشد على عنق العبير وغيره وهي مشهورة.
وفي التفسير وجوه:
الأول: المراد منه الهدى ذوات القلائد، وعطفت على الهدي مبالغة في التوصية بها لأنها أشرف الهدي كقوله: {وَجِبْرِيلَ وميكال} [البقرة: 98] كأنه قيل: والقلائد منها خصوصًا الثاني: أنه نهى عن التعرض لقلائد الهدي مبالغة في النهي عن التعرض للهدي على معنى: ولا تحلوا قلائدها فضلًا عن أن تحلوها، كما قال: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور: 31] فنهى عن إبداء الزينة مبالغة في النهي عن إبداء مواضعها.
الثالث: قال بعضهم: كانت العرب في الجاهلية مواظبين على المحاربة إلا في الأشهر الحرم، فمن وجد في غير هذه الأشهر الحرم أصيب منه، إلا أن يكون مشعرًا بدنة أو بقرة من لحاء شجر الحرم، أو محرمًا بعمرة إلى البيت، فحينئذٍ لا يتعرض له، فأمر الله المسلمين بتقرير هذا المعنى.
ثم قال: {وَلاَ آمينَ البيت الحرام} أي قومًا قاصدين المسجد الحرام، وقرأ عبد الله: ولا آمي البيت الحرام على الإضافة. اهـ.

.قال ابن عطية:

وقوله تعالى: {ولا الهدي ولا القلائد} أما الهدي فلا خلاف أنه ما أهدي من النعم إلى بيت الله وقصدت به القربة فأمر الله أن لا يستحل ويغار عليه، واختلف الناس في {القلائد} فحكى الطبري عن ابن عباس أن {القلائد} هي {الهدي} المقلد وأن {الهدي} إنما يسمى هديًا ما لم يقلد فكأنه قال ولا {الهدي} الذي يقلد والمقلد منه.
قال القاضي أبو محمد: وهذا الذي قال الطبري تحامل على ألفاظ ابن عباس وليس يلزم من كلام ابن عباس أن {الهدي} إنما يقال لما لم يقلد وإنما يقتضي أن الله نهى عن استحلال {الهدي} جملة ثم ذكر المقلد منه تأكيدًا ومبالغة في التنبيه على الحرمة في التقليد، وقال جمهور الناس: {الهدي} عام في أنواع ما أهدي قربه و{القلائد} ما كان الناس يتقلدونه أمنة لهم، قال قتادة: كان الرجل في الجاهلية إذا خرج يريد الحج تقلد من السمر قلادة فلم يعرض له أحد بسوء إذ كانت تلك علامة إحرامه وحجه وقال عطاء وغيره: بل كان الناس إذا خرجوا من الحرم في حوائج لهم تقلدوا من شجر الحرم ومن لحائه فيدل لك على أنهم من أهل الحرم أو من حجاجه فيأمنون بذلك فنهى الله تعالى عن استحلال من تحرم بشيء من هذه المعاني.
وقال مجاهد وعطاء: بل الآية نهي للمؤمنين عن أن يستحلوا أخذ القلائد من شجر الحرم كما كان أهل الجاهلية يفعلون، وقاله الربيع بن أنس عن مطرف بن الشخير وغيره، وقوله تعالى: {ولا آمين البيت الحرام} معناه ولا تحلوهم فتغيروا عليهم ونهى الله تعالى المؤمنين بهذه الآية عن أن يعمدوا للكفار القاصدين {البيت الحرام} على جهة التعبد والقربة وكل ما في هذه الآية من نهي عن مشرك أو مراعاة حرمة له بقلادة أو أَم البيت ونحوه فهو كله منسوخ بآية السيف في قوله تعالى: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة: 5]. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَلاَ القلائد} جمع قلادة وهي ما يقلد به الهدي من نعل أو لحاء شجر أو غيرهما ليعلم أنه هدي فلا يتعرض له، والمراد النهي عن التعرض لذوات القلائد من الهدي وهي البدن، وخصت بالذكر تشريفًا لها واعتناءًا بها، أو التعرض لنفس القلائد مبالغة في النهي عن التعرض لذواتها كما في قوله تعالى: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور: 31] فإنهن إذا نهين عن إظهار الزينة كالخلخال والسوار علم النهي عن إبداء محلها بالطريق الأولى، ونقل عن أبي علي الجبائي أن المراد النهي عن إحلال نفس القلائد، وإيجاب التصدق بها إن كانت لها قيمة، وروي ذلك عن الحسن، وروى عن السدي أن المراد من القلائد: أصحاب الهدي فإن العرب كانوا يقلدون من لحاء شجر مكة يقيم الرجل بمكة حتى إذا انقضت الأشهر الحرم، وأراد أن يرجع إلى أهله قلد نفسه وناقته من لحاء الشجر فيأمن حتى يأتي أهله، وقال الفراء: أهل الحرم كانوا يتقلدون بلحاء الشجر، وغير أهل الحرم كانوا يتقلدون بالصوف والشعر وغيرهما، وعن الربيع.
وعطاء أن المراد نهي المؤمنين أن ينزعوا شيئًا من شجر الحرم يقلدون به كما كان المشركون يفعلونه في جاهليتهم.
{وَلا ءامّينَ البيت الحرام} أي ولا تحلوا أقوامًا قاصدين البيت الحرام بأن تصدوهم عنه بأي وجه كان، وجوز أن يكون على حذف مضاف أي قتال قوم أو أذى قوم آمين.
وقرئ ولا آمي البيت الحرام بالإضافة، و(البيت) مفعول به لا ظرف، ووجه عمل اسم الفاعل فيه ظاهر. اهـ.

.قال ابن عاشور:

والقلائد: جمع قِلادة وهي ظفائر من صوف أو وَبَر، يربط فيها نعلان أو قطعة من لِحَاءِ الشجر، أي قِشره، وتوضع في أعناق الهدايا مشبَّهة بقلائد النساء، والمقصود منها أن يُعرف الهدي فلا يُتَعرّض له بغارة أو نحوها.
وقد كان بعض العرب إذا تأخّر في مكة حتّى خرجت الأشهر الحُرُم، وأراد أن يرجع إلى وطنه، وضع في عنقه قلادة من لحاء شجر الحرم فلا يُتَعرّضُ له بسوء.
ووجه عطف القلائد على الهدي المبالغة في احترامه بحيث يحرم الاعتداء على قلادته بله ذاته، وهذا كقول أبي بكر: والله لو منعوني عِقالًا كانوا يؤدّونه إلى رسول الله لقاتلتهم عليه.
على أنّ القلائد ممّا ينتفع به، إذ كان أهل مكة يتّخذون من القلائد نعالًا لفقرائهم، كما كانوا ينتفعون بجلال البدن، وهي شُقق من ثياب توضع على كفل البدنة؛ فيتّخذون منها قُمصًا لهم وأزُرًا، فلذلك كان النهي عن إحلالها كالنهي عن إحلال الهدي لأنّ في ذلك تعطيل مصالح سكان الحرم الذين استجاب الله فيهم دعوة إبراهيم إذ قال: {فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات} [إبراهيم: 37] قال تعالى: {جعل الله الكعبة البيت الحرام قيامًا للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد} [المائدة: 97].
وقوله: {ولا آمّين البيت الحرام} عطف على {شعائر الله}: أي ولا تحلّوا قاصدي البيت الحرام وهم الحجّاج، فالمراد قاصدوه لحجّه، لأنّ البيت لا يقصد إلاّ للحجّ، ولذلك لم يقل: ولا آمِّين مكة، لأنّ من قصد مكة قد يقصدها لتجر ونحوه، لأنّ من جملة حُرمَة البيت حرمة قاصده.
ولا شك أنّ المراد آمِّين البيت من المشركين؛ لأنّ آمِّين البيت من المؤمنين محرّم أذاهم في حالة قصد البيت وغيرها من الأحوال.
وقد روي ما يؤيّد هذا في أسباب النزول: وهو أن خيلًا من بكر بن وائل وردوا المدينة وقائدهم شريح بن ضُبَيْعَة الملقّب بالحُطَم (بوزن زُفر)، والمكنّى أيضًا بابننِ هند.
نسبة إلى أمّه هند بنت حسّان بن عَمْرو بننِ مَرْثَد، وكان الحُطَم هذا من بكر بن وائل، من نزلاء اليمامة، فترك خيلَه خارج المدينة ودخل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إلام تدعو» فقال رسول الله: «إلى شهاد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّدًا رسول الله وإقاممِ الصلاة وإيتاء الزكاة» فقال: حَسَن ما تدعو إليه وسأنظُرُ ولعلّي أن أسْلِم وأرى في أمرك غِلظة ولي مِن وَرائي مَنْ لا أقطَع أمرًا دونهم وخرج فمرّ بسَرْح المدينة فاستاق إبلًا كثيرة ولحقه المسلمون لمَّا أُعلموا به فلم يلحقوه، وقال في ذلك رجزًا، وقيل: الرجزُ لأحد أصحابه، وهو رَشِيد بن رَمِيض العَنَزي وهو:
هذا أوَانُ الشَّدّ فاشْتَدّي زِيَمْ ** قد لَفَّها الليلُ بسَوّاق حُطَم

ليسَ براعِي إبِلٍ ولا غَنَم ** ولا بَجَزّار على ظَهْر وَضَم

بَاتوا نِيَامًا وابنُ هِنْد لم ينمْ ** باتَ يُقَاسِيها غُلام كالزّلَم

خَدَلَّجُ الساقَيْننِ خَفَّاقُ القَدَم

ثم أقبل الحُطم في العام القابل وهو عام القَضية فسمعوا تلبيَة حُجَّاج اليمامة فقالوا: هذا الحُطَم وأصحابه ومعهم هَدْي هو ممَّا نهبه من إبل المسلمين، فاستأذنوا رسول الله في نَهبهم، فنزلت الآية في النهي عن ذلك.
فهي حكم عامّ نزل بعد تلك القضية، وكان النهي عن التعرّض لبُدْن الحُطم مشمولًا لما اشتملت عليه هذه الآية.
والبيت الحرام هو الكعبة.
وسيأتي بيان وصفه بهذا الوصف عند قوله: {جعل الله الكعبة البيت الحرام قيامًا للناس} [المائدة: 97] في هذه السورة. اهـ.

.قال الفخر:

في تفسير الفضل والرضوان وجهان:
الأول: يبتغون فضلًا من ربهم بالتجارة المباحة لهم في حجهم، كقوله: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلًا مّن رَّبّكُمْ} [البقرة: 198] قالوا: نزلت في تجاراتهم أيام الموسم، والمعنى: لا تمنعوهم فإنما قصدوا البيت لإصلاح معاشهم ومعادهم، فابتغاء الفضل للدنيا، وابتغاء الرضوان للآخرة.
قال أهل العلم: إن المشركين كانوا يقصدون بحجهم ابتغاء رضوان الله وإن كانوا لا ينالون ذلك، فلا يبعد أن يحصل لهم بسبب هذا القصد نوع من الحرمة.
والوجه الثاني: أن المراد بفضل الله الثواب، وبالرضوان أن يرضى عنهم، وذلك لأن الكافر وإن كان لا ينال الفضل والرضوان لكنه يظن أنه بفعله طالب لهما، فيجوز أن يوصف بذلك بناءً على ظنه، قال تعالى: {وانظر إلى إلهك} [طه: 97] وقال: {ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الكريم} [الدخان: 49]. اهـ.

.قال ابن عطية:

وقوله تعالى: {يبتغون فضلًا من ربهم ورضوانًا} قال فيه جمهور المفسرين معناه يبتغون الفضل في الأرباح في التجارة ويبتغون مع ذلك رضوانه في ظنهم وطمعهم، وقال قوم إنما الفضل والرضوان في الاية في معنى واحد وهو رضا الله وفضله بالرحمة والجزاء، فمن العرب من كان يعتقد جزاء بعد الموت، وأكثرهم إنما كانوا يرجون الجزاء والرضوان في الدنيا والكسب وكثرة الأولاد ويتقربون رجاء الزيادة في هذه المعاني وقرأ الأعمش {ورُضوانًا} بضم الراء.
قال القاضي أبو محمد: وهذه الآية استئلاف من الله تعالى للعرب ولطف بهم لتنبسط النفوس ويتداخل الناس ويردون الموسم فيسمعون القرآن ويدخل الإيمان في قلوبهم تقوم عندهم الحجة كالذي كان وهذه الآية نزلت عام الفتح ونسخ الله تعالى ذلك كله بعد عام سنة تسع إذ حج أبو بكر ونودي الناس بسورة براءة.
جاءت إباحة الصيد عقب التشدد في حرم البشر حسنة في فصاحة القول. اهـ.

.قال الألوسي:

وقوله تعالى: {يَبْتَغُونَ فَضْلًا مّن رَّبّهِمْ ورضوانا} حال من المستكن في آمين، وجوز أن يكون صفة، وضعف بأن اسم الفاعل الموصوف لا يعمل لضعف شبهه بالفعل الذي عمل بالحمل عليه لأن الموصوفية تبعد الشبه بأنها من خواص الأسماء، وأجيب بأن الوصف إنما يمنع من العمل إذا تقدم المعمول، فلو تأخر لم يمنع لمجيئه بعد الفراغ من مقتضاه كما صرح به صاحب «اللب» وغيره، وتنكير {فضلًا} و{رضوانًا} للتفخيم، ومن ربهم متعلق بنفس الفعل، أو بمحذوف وقع صفة لفضلًا مغنية عن وصف ما عطف عليه بها، أي فضلًا كائنًا من ربهم ورضوانًا كذلك، والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميرهم لتشريفهم والإشعار بحصول مبتغاهم، والمراد بهم المسلمون خاصة، والآية محكمة.
وفي الجملة إشارة إلى تعليل النهي واستنكار النهي عنه كذا قيل، واعترض بأن التعرض للمسلمين حرام مطلقًا سواء كانوا آمين أم لا، فلا وجه لتخصيصهم بالنهي عن الإحلال، ولذا قال الحسن وغيره: المراد بالآمين هم المشركون خاصة، والمراد من الفضل حينئذ الربح في تجاراتهم، ومن الرضوان ما في زعمهم، ويجوز إبقاء الفضل على ظاهره إذا أريد ما في الزعم أيضًا لكنه لما أمكن حمله على ما هو في نفس الأمر كان حمله عليه أولى، ويؤيد هذا القول أن الآية نزلت كما قال السدي وغيره في رجل من بني ربيعة يقال له الحطيم بن هند، وذلك أنه أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وحده وخلف خيله خارج المدينة فقال: «إلى مه تدعو الناس؟ فقال صلى الله عليه وسلم: إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة» فقال: حسن إلا أن لي أمراء لا أقطع أمرًا دونهم، ولعلي أسلم وآتي بهم، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: «يدخل عليكم رجل يتكلم بلسان شيطان» ثم خرج من عنده، فلما خرج قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد دخل بوجه كافر وخرج بعقبي غادر وما الرجل بمسلم»، فمر بسرح المدينة فاستاقه وانطلق به وهو يرتجز ويقول:
قد لفها الليل بسواق حطم ** ليس براعي إبل ولا غنم

ولا بخوار على ظهر قطم ** باتوا نيامًا وابن هند لم ينم

بات يقاسيها غلام كالزلم ** مدملج الساقين ممسوح القدم

فطلبه المسلمون فعجزوا، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام قضاء العمرة التي أحصر عنها سمع تلبية حجاج اليمامة فقال صلى الله عليه وسلم: «هذا الحطيم وأصحابه فدونكموه» وكان قد قلد ما نهب من السرح وجعله هديًا فلما توجهوا لذلك نزلت الآية فكفوا وروي عن ابن زيد أنها نزلت يوم فتح مكة في فوارس يؤمون البيت من المشركين يهلون بعمرة فقال المسلمون: يا رسول الله هؤلاء المشركون مثل هؤلاء، دعنا نغير عليهم، فأنزل الله سبحانه الآية. اهـ.